حاضر في المجلس العاشورائي في قرية زيتون الكسروانيَّة
فضل الله: لا نريد للأديان أن تتقوقع بل أن تعمل لخدمة الإنسان
ألقى العلامة السيّد علي فضل الله كلمة في المجلس العاشورائي الذي يُقام في حسينية عيسى بن مريم (ع) في قرية زيتون الكسروانيّة، بحضور القاضي الدكتور الشيخ يوسف عمرو، رئيس بلدية المعيصرة زهير عمرو، المختار عدي عمرو، إمام بلدة زيتون الشيخ محمد حيدر، الدكتور بسام الهاشم، إضافةً إلى حشد من الأهالي.
استهلّ المجلس بآيات من القرآن الكريم، فكلمة ترحيبية من سماحة الشيخ محمد حيدر، أشاد فيها بمدرسة الوعي والانفتاح والتضحية التي أسَّسها المرجع السيد محمد حسين فضل الله (قده)، ويتابعها نجله العلامة السيد علي فضل الله.
ثم ألقى العلامة فضل الله كلمة جاء فيها: "نلتقي في كلِّ سنة في هذا الموسم؛ موسم عاشوراء، لنزداد وعياً ومسؤوليةً، ولنؤدي دورنا في ساحات هذه الحياة، كي لا نكون على هامشها"، معتبراً أنَّنا عندما نستعيد عاشوراء، فإنَّنا لا نستعيد هذا التاريخ لنهرب من واقعنا أو لنتغنَّى بالماضي، بل نستند إليه لصناعة الحاضر والمستقبل.
وأضاف سماحته: "كانت عاشوراء ومازالت تمثّل حدثاً تاريخياً وأخلاقياً وثورياً، فنحن نحييها لنعبّر عن عاطفتنا ومشاعرنا وأحاسيسنا تجاه الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه، ولنؤكّد رفضنا لمنطق الَّذين وقفوا مع يزيد، منطق الَّذين باعوا الضَّمائر من أجل شهواتهم ودنياهم أو طمعهم لأجل موقع هنا أو منصب هناك، ونعلن وقوفنا مع منطق المبادئ والرسالة والقيم والأخلاق والأهداف الكبيرة".
وتابع سماحته أنَّ حركة الحسين (ع) وأهداف ثورته هي امتداد لحركة كلّ الأنبياء والرسل الَّذين نهلوا من معين واحد، وجاؤوا لهدف واحد، هو خدمة الإنسان وعزّته وكرامته، معتبراً أنَّ هناك من يعمل لكي تتقوقع هذه الأديان في إطارها الضيّق والخاصّ، بحيث تفكّر كلّ جماعة بحجم جماعتها أو طائفتها أو مذهبها أو بحجم مصالحها الخاصَّة، بدلاً من أن يفكّر الجميع بحجم الوطن ومستقبل أبنائه.
وأضاف: "مادامت العقلية الفئوية والطائفية والمذهبية والمناطقية تسيطر على تفكيرنا، وتحركنا الانفعالات والعصبيات والغرائز، ويعيش كلّ مذهب أو طائفة في إطارهما الخاصّ، فلن نستطيع بناء وطن؛ وطن العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان، بعيداً من المصالح الشخصية والفئوية والحزبية"، متسائلاً: "هل سنصل إلى مرحلة يطالب فيها المسيحي بحقوق المسلمين وحاجاتهم، ويطالب المسلم بحقوق المسيحيين وحاجاتهم؟".
وقال سماحته: "نتعلَّم من الحسين (ع) كلّ هذا الصفاء وهذا الحبّ وهذه الروحية في التعامل مع الآخرين. إنَّ الحسين (ع) واجه هؤلاء الَّذين جمَّدوا عقولهم ووسائل المعرفة لديهم، فأراد للإنسان أن يكون حراً في تفكيره وفي قراراته، أن لا يستسلم لأفكار الآخرين أو يجمّد عقله أو يعلّبه، بل أن يفكّر فيها وينقدها ليأخذ منها الحقّ ويبعد عنه الباطل".
وتابع سماحته: "الحسين كان يرى الخطورة عندما تصل الأمّة إلى مرحلة تلغي فيها عقلها وتفكيرها، وتستسلم لمنطق زعمائها الذين باعوا أنفسهم وضمائرهم من أجل شهوات الدنيا ومصالحهم الخاصّة".
ورأى أنَّ الحسين (ع) واجه شبكة المصالح التي تدفع الإنسان إلى أن يتخلّى عن كلّ قيمه ومبادئه من أجل تحقيق مصالحه الذاتيّة ورغباته وشهواته، ولو كان على حساب مستقبل الأمّة، كما واجه التعصّب الأعمى الّذي يدفع الإنسان إلى السير وراء هذا الزعيم أو هذه الطائفة أو هذا الحزب أو هذا الموقع، من دون وعي ودراسة لعواقب هذا الأمر ونتائجه، وبعيداً من التّساؤل عن مصلحته الحقيقية ومستقبله القادم.
وختم قائلاً: "عندما تحرّك الأمّة عقلها، فإنها تصبح أكثر وعياً وتدبّراً، ولن يستطيع أحد أن يلغيها، أو يهمّشها، أو يدجّنها، أو يتلاعب بمصيرها، أو يأخذها إلى حيث يريد. إنَّ الحسين أراد إعادة إنتاج الوعي المفقود في هذه الأمّة التي سكتت ورضيت بكلِّ هذا الواقع الأليم الذي تعانيه".